التحول الاستراتيجي: كيف تخلصت "فورد" و"بنك الإمارات دبي الوطني" من التعقيدات المكلفة في بيئة المحاكاة الافتراضية؟
بقلم: أشيش بداني، نائب الرئيس الأول، رئيس المنتجات ريد هات

16 نوفمبر 2025: في عالم اليوم، يشكل اعتماد تقنية السحابة الهجينة خياراً استراتيجياً وضرورةً تمليها المتطلبات التشغيلية بالنسبة لمعظم الشركات الكبرى. وفي ضوء ذلك، تعمل معظم هذه الشركات ضمن بيئتين متوازيتين؛ فهي من جانب تقوم بتشغيل تطبيقات سحابية محلية الطابع ضمن منظومات الحاويات، ومن جانب آخر تعتمد أنظمة حيوية بالغة الأهمية تعمل على آلات افتراضية.
ويفضي هذا الواقع إلى بيئتي عمل افتراضيتين منفصلتين، ما يؤدي إلى تعقيداتٍ يمكن تجنبها وتكاليف تشغيل إضافية باهظة، وهو ما يمكن وصفه بــ"ضريبة التعقيد". ويسهم ذلك في إبطاء عمليات فرق التشغيل والتطبيقات، بالإضافة إلى إجهاد الميزانية، ما يصعب بالتالي تقديم قيمة حقيقية للأعمال.
وتحدثنا مؤخراً مع اثنين من قادة الأعمال اللذان قررا مواجهة هذا التحدي، وهما: سانديب كولكارني من شركة "فورد موتور"، وعلي ري من "بنك الإمارات دبي الوطني"، حيث ناقشنا جهودهما الرامية إلى توحيد الآلات الافتراضية والحاويات على منصة واحدة متماسكة. وتقدم قصة كلٍّ منهما دليلاً عملياً واضحاً ومباشراً لأي قيادي في مجال تكنولوجيا المعلومات يواجه تحدياً مماثلاً.
التصادم بين إرث القديم ومرونة الحديث
يعتبر كل من شركة "فورد موتور" و"بنك الإمارات دبي الوطني" عملاقين في مجاليهما، لكنهما واجها التحدي ذاته والمتمثل في ضمان الجاهزية المستقبلية للتطبيقات من خلال منصة حديثة موحدة.
"فورد": يمتد التاريخ العريق لهذه العلامة التجارية الأيقونة إلى 122 عاماً، وتستخدم الآلاف من التطبيقات. ورغم رحلة التحديث الطموحة التي تمضي بها الشركة، إلا أن العديد من أنظمتها الأساسية قد تبقى في طور العمل كآلات افتراضية ريثما يتم تحديثها، أو نتيجةً لبنيتها الأساسية ومتطلبات الامتثال، أو لأسبابٍ أخرى معلقة بدعم المورّدين التقليديين.
بنك الإمارات دبي الوطني: هو أحد أكبر البنوك في الشرق الأوسط، ويعمل على مدار الساعة. وعلى الرغم من أن البنك قام بتحديث العديد من خدماته للعمل ضمن منظومات الحاويات من أجل تحقيق المرونة، إلا أن منتجات المورّدين الحيوية والأنظمة القديمة كان لابد أن تبقى تعمل بشكل افتراضي لضمان الموثوقية وتلبية المتطلبات التنظيمية.
وبالنسبة لكلا الشركتين، كان الهدف النهائي الوصول إلى طريقةٍ لتشغيل كل من الآلات الافتراضية وتقنية الحاويات على ذات المنصة لتحسين مستويات المرونة والموثوقية والكفاءة من حيث التكلفة. وبالنسبة لبنك الإمارات دبي الوطني، كان توفير التكاليف نتيجة الانتقال إلى منصة موحدة أحد الدوافع الرئيسية، إلى جانب الشراكة مع "ريد هات" والقدرة على إضفاء الطابع المحلي على التطبيقات بسرعة تلبيةً للمتطلبات التنظيمية. أما بالنسبة لشركة "فورد"، فتمثل الدافع في التركيز على تحسين قيمة الأعمال من خلال بناء تطبيقات منخفضة التكلفة وآمنة وقابلة للتطوير.
الحل: منصةٌ واحدة لدمج البيئتين
تمثَّل الحل الاستراتيجي لكلا الشركتين في الاعتماد على منصة "ريد هات أوبن شيفت" (Red Hat OpenShift) مع تقنية "ريد هات أوبن شيفت للمحاكاة الافتراضية" (Red Hat OpenShift Virtualization)، التي يتم تشغيلها بواسطة مشروع "كيوبفيرت" (KubeVirt) مفتوح المصدر. وتتيح هذه الطريقة للشركتين تشغيل آلات افتراضية وتقنية الحاويات بدعم كامل ومتكامل على منصة "كوبرنيتس" (Kubernetes) الأصلية.
وبالنسبة لـعلي ري وفريقه في "بنك الإمارات دبي الوطني"، فكانت النقلة النوعية عندما لمسوا استقراراً تكنولوجياً، حيث استوفت المنصة معاييرهم الأساسية المتمثلة في:
1. قابلية التشغيل البيني: أن تعمل المنصة بالتوافق مع أدواتهم الحالية (مثل Vault للوصول الآمن للأسرار وJenkins للتعامل مع خدمات وأدوات عدة مختلفة وإدارتها) وأن تقدم معايير مفتوحة، وهو ما توفره "ريد هات".
2. النظرة المستقبلية: أن تكون المنصة أساساً متيناً يمكن للآلات الافتراضية الحالية العمل عليه، وتكون جاهزةً للتحول إلى تقنية الحاويات لاحقاً.
3. الإدارة الموحدة: تبسيط بيئة التشغيل وإجراءات الإدارة من خلال دمج الحوسبة والتطبيقات، مما قلل تشتت الأدوات.
الدروس المستفادة من تجربة "الترحيل"
يُعدّ ترحيل البنى التحتية الرقمية بهذا الحجم رحلةً معقّدة تتطلب تخطيطاً استراتيجياً واضحاً، يوازن بين الجانب التقني والثقافة التنظيمية داخل المؤسسات:
التحديث رحلة مستمرة: بعد أن نجحت "فورد" في نقل آلاتها الافتراضية (VMs) إلى منصة "ريد هات أوبن شيفت" Red Hat OpenShift، سنحت لها الفرصة لإعادة هيكلة بعض تطبيقاتها بصورة استراتيجية لدعم قدرات حديثة مثل الشبكات المعرفة بالبرمجيات (SDN) وتوزيع الأحمال. وقد مكّنها هذا التحديث من تحقيق أقصى استفادة من مزايا المنصة الجديدة.
تجاوز حاجز الأُلفَة التقنية: أشار سانديب كولكارني من فورد إلى أن أحد أكبر التحديات كان "الارتباط العاطفي بالتقنيات القديمة"، ولكسر هذا الحاجز، اتبعت الشركة مسارين متكاملين: أولاً، الاستثمار في تدريب الموظفين الحاليين ومنحهم شهادات تخصصية في التقنيات الحديثة؛ وثانياً، الاستعانة بخبراء خارجيين لتسريع عملية التعلُّم. بهذه الخطوة، انتقلت فِرَق إدارة البيئات الافتراضية إلى عالم الحاويات (Containers) بثقة وكفاءة، ما منحها مساراً وظيفياً جديداً وفرصاً أوسع للنمو.
التخزين: كلمة سر النجاح: أما لدى بنك الإمارات دبي الوطني، فكانت التجربة مختلفة قليلاً؛ فقد تبيّن أن التحدي الحقيقي في ترحيل آلاف البيئات الافتراضية يكمن في إدارة التخزين. وعملت فِرق البنك بشكل وثيق مع شركائها التقنيين لمزامنة البيانات، وتمكّنت من نقل مئات آلات الافتراضية (VMs) كل ليلة، محققةً الجدول الزمني الطموح للمرحلة الانتقالية. وسلطت هذه التجربة الضوء على أهمية التعاون والتنسيق في المشاريع التقنية الكبرى.
الأتمتة تسرّع وتيرة التحول: لتنفيذ الترحيل بكفاءة وعلى نطاق واسع؛ أنشأت كلّ من "فورد" و"بنك الإمارات دبي الوطني" آلية أتمتة بخدمة ذاتية، مكّنت المستخدمين من طلب عمليات الترحيل بأنفسهم. فطوّرت فورد عمليةً من خطوتين تسمح للمستخدمين بطلب الترحيل بأنفسهم، بينما يحتفظ الفريق بالتحكم إطلاق العملية لإدارة فترات الانقطاع. أفضى هذا النهج إلى تسريع وتيرة العمل، وتحويل المستخدمين النهائيين إلى شركاء فعليين في رحلة التحول.
النتائج الاستراتيجية
أثمرت جهود التحديث لدى المؤسستين عن نتائج ملموسة أثبتت قيمة الاستثمار في التغيير. فبالنسبة لبنك الإمارات دبي الوطني، كان الإنجاز الأبرز ترحيل 9,000 بيئة افتراضية خلال ستة أشهر فقط، بمعدل 140 عملية ترحيل في الليلة عبر مراكز بيانات متعددة. ولم يكن ذلك إنجازاً تقنياً فحسب، بل أيضاً نجاحاً مؤسسياً شاملاً تحقق من خلال:
خفض التكاليف عبر استخدام منصة واحدة.
تعزيز المرونة وتسريع طرح الخدمات في السوق.
تحسين استغلال البنية التحتية بما ينسجم مع أهداف الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية (ESG).
أما فورد، فقد نفّذت عملية ترحيل لعدد من مصانعها دون أن يشعر أي من فرق التصنيع بفرق يُذكر.
وكانت عملية صامتة وسلسة أبرزت قوة المنصة واستقرارها، وأسهمت في تحسين تجربة المطورين عبر تمكينهم من ترميز عمليات الإعداد (Provisioning)، وأصبح بإمكانهم الآن إنشاء أو إيقاف بيئات الاختبار (QA/Test) عند الحاجة فقط، مما زاد الكفاءة وخفّض استهلاك الموارد.
المستقبل: بنية تحتية ذاتية التشغيل وجاهزة للذكاء الاصطناعي
بعد توحيد البنية التقنية الأساسية، تتجه فورد والبنك نحو مستقبل أكثر ذكاءً ومرونة.
فورد: تطور حالياً بنية تحتية ذاتية التشغيل، مستلهمة من رؤيتها المسماة "مصنع داخل صندوق (Plant in a Box)"، حيث يتم تجهيز بنية المصنع التشغيلية خارج الموقع ثم تشغيلها ببساطة لبدء الإنتاج فوراً. وتشكل هذه المنصة الموحدة الأساس لتطبيقات الذكاء الاصطناعي القادرة على التنبؤ بالأعطال ومعالجتها ذاتياً قبل حدوثها.
بنك الإمارات دبي الوطني: يعتمد البنك نهج "القالب الموحّد (Cookie Cutter Approach)"، الذي يتيح له نشر منصته القياسية في أسواق وكيانات جديدة بسهولة، كما يستخدم حلول "ريد هات" لإدارة أحمال وحدات المعالجة الرسومية، والاستفادة من "أوبن شيفت إي آي" (OpenShift AI) لتسريع وتيرة الابتكار وتحسين الأداء.
تؤكد التجربتان أن بيئة تكنولوجيا المعلومات الحديثة تحتاج إلى طبقة تحكم موحدة (Control Plane) تحافظ على الاستثمارات القائمة وتفتح الطريق نحو مستقبل مفتوح وقابل للتوسع. وكما أثبتت قصة نجاح البنك والشركة، فإن الجمع بين(Red Hat OpenShift) و(Red Hat OpenShift Virtualization) يوفر التوازن الأمثل لمنصة حديثة، وموثوقة، وكفؤة تُعزز الإنتاجية وتُهيئ البنية التحتية للجيل القادم من التطورات.
رسالة ختامية
يقدّم الخبيران تجربتين مختلفتين، لكنهما يتفقان على خلاصةٍ واحدة:
علي ري، بنك الإمارات دبي الوطني: "ابدأ رحلة التحوُّل دون تردُّد. العملية أبسط مما تبدو، وستشهد فوائدها فوراً".
سانديب كولكارني، فورد موتورز: "اتبع منهجية: (امضِ قُدُماً بخطى متدرجة ومتسارعة). قسّم عملية التحوّل إلى مراحل صغيرة قابلة للقياس، وركّز دائماً على تطوير نموذج الأعمال، لا على التقنية وحدها".






